سنوات البادية: لماذا سمّاها أجدادنا بهذه الأسماء؟

مقدمة

وش يعني "سنوات البادية"؟

قبل الدفاتر والحواسيب، كان أهل البادية وأهل القرى يعتمدون على الذاكرة الجمعية. ما عندهم أرشيف رسمي بكل التفاصيل، لكن عندهم اسم يعلق في الذهن: سنة الهدام، سنة الجوع، سنة الدبا… مجرد ما تنذكر السنة، تنفتح أبواب حكايات: وين صار المطر، منو تهدّم بيته، وش الأبيات اللي قالوها، وكيف تعاملوا الناس مع البلاء.

هالأسماء الشعبية مو بس “نكات” على الزمن؛ هي دفتر تاريخ بديل، وسيلة أهلية لتأريخ أحداثٍ شدّت المجتمع، وساعدتهم يورّثون الخبرة والمعنى للأجيال بعدهم. هالمقال يجمع أشهر هالأسماء ويروي قصصها بلغة بسيطة، مع لمسات من التراث ونصايح لتوثيقها اليوم.

فكرة شعبية

ليش سمّوا السنوات بهالأسماء؟

  • سهل الحفظ: الاسم يختصر حدثًا ما ينسى: سيل، وباء، غلاء، جراد… اسم “يلقط” الحدث.
  • هوية مشتركة: كل من عاشها يصير عنده قصة، فيصير الاسم رمزًا للذاكرة الجماعية.
  • درس مستمر: “سنة الجوع” مو بس ذكرى؛ هي تنبيه للمستقبل: ادخر، ترابط، تعاون.
  • لغة تداول: بدل ما يقول: “في سنة كذا هجري” يقول: “بسنة الهدام”، والكل يفهم فورًا.
أقوى الأسماء هي اللي تكون وصفًا مباشرًا لشيء لمسه كل الناس: مطر هائل، برد شديد، غبار خانق…
سياق زمني

كيف كانوا يحسبون الزمن ويؤرّخون؟

الاعتماد كان على التقويم الهجري القمري، مع علامات طبيعية تساعد على التذكّر: مواسم المطر (الوسم)، طالع النجم، حركة البادية بين المراعي، مواسم الحصاد. وتجي الأسماء متشابكة مع أشياء ملموسة: “السنة اللي نزل فيها المطر هدّ البيوت”، “السنة اللي أكلنا من الغلا خبز الشعير بس”.

  • التاريخ الهجري كان الإطار العام، والاسم الشعبي هو “عنوان الفصل”.
  • تتحوّل الحكايات إلى مرجع شفهي، يرويه الكبار للصغار، ثم يوثّقه كتّاب ومهتمون لاحقًا.
تصنيف

أنواع أسماء السنوات

  • طبيعية/مناخية: سيل، ثلج، غبار، برد، قحط…
  • صحية/وبائية: حصبة، جدري، طاعون، “الشهاقة”…
  • اقتصادية: جوع، غلا، كساد.
  • اجتماعية/سياسية: أسماء معارك كبيرة أو أحداث عامة اشتهرت.
  • رمزية/تفاؤلية: أحيانًا تسمية تلطّف المأساة (مثل “الرحمة”) إذ الناس يرجون رحمة ربهم.
حكايات

سنوات مشهورة… الحكاية وما فيها

1) سنة الهدام (طوفان نجدي كبير)

تُعرف في نجد بـ“الهدام” أو “الغرقة”. أمطار طويلة وغزيرة، جرت الأودية، وتهدّمت بيوت الطين، واضطربت الناس فترة. الحكايات الشعبية تصف مشاهد هروب للأماكن العالية، وناس مسكت أمتعتها بيد واليد الثانية تمسك بأطفالها. في الذاكرة الشعبية ترتبط “الهدام” بعبارة: “مطر خير… لكنه هدّم”.

من أثرها: بعدها صار في وعيٍ أقوى ببناء البيت وتدعيمه، والحرص على مواضع السيول. وصارت الأمهات تحكي لأولادها: لا تستهينون بالسيل، “الماء إذا غضب ما يرحم”.

2) سنة الهدامة (الكويت)

مطرٌ شديد في الكويت جرّ أضرارًا على بيوت الطين القديمة. الاسم صار علامة فارقة في الذاكرة الحضرية: يوم اجتمعت البيوت والسكك والمجتمع لمواجهة الماء، وتوثّقت قصص إغاثة الناس لبعضهم. كثير من كبار السن لما يذكرونها، يذكرون معها: “تكاتفنا”.

3) سنة الجوع / السلاق

“الجوع” اسم مرّ، لكنه تعليميّ. يذكّر الناس بأهمية الادخار، والسعي على المعاش، وستر المحتاج. تروى حكايات عن ناس تقاسموا رغيفًا واحدًا، وعن أمٍّ كانت “تسلق” أي شيء يؤكل، ومن هنا جاء لقب “السلاق”. في ذاكرتهم، الجوع علّمهم قيمة اللقمة.

من أمثالهم بصياغة شعبية معاصرة: “الجوع يعلّم التدبير”.

4) سنة الحصبة

مرضٌ انتشر بين الصغار، وصار اسم السنة مرتبطًا به. في القرى: “سنة الحصبة” تعني سيرة الصبر والاحتياط، وتعاون الجيران. كثير من الأمهات يذكرن علاجات بسيطة عشبية واستحمام بالماء الفاتر وإبعاد الصغار عن “الهوى”.

5) سنة الدبا/الجراد (سنوات متعدّدة)

أسراب الجراد إذا نزلت “غطّت عين الشمس” كما يقولون. يلتهم الأخضر واليابس. جرادٌ يقرص الزرع، ويترك الفلاحين “مبحلقين” في بقايا سنابل. الناس كانوا يجمعونه ويأكلونه أحيانًا بعد التحميص، وبعضهم يتفاءل به إذا قلّ المطر لأنه “رزق ساقه الله”، لكنّ المزارع يعرف خسارته على المحاصيل.

6) سنة الثلج

مشهدٌ غير معتاد في مناطق وسط الجزيرة: ثلج يغطي الأرض. كبار السن يذكرون صباحًا أبيض، وصغارًا يركضون ويلمسون الثلج بأيديهم “كالعجينة”، ومدارس أغلقت، وحديث البيوت صار عن “عجيبة الزمان”. بعدها صارت قصص الثلج تُروى كطُرفة ولطافة بين الجدّ والحفيد.

7) سنة الغبار

رياح محمّلة بغبار أحمر “تسُدّ” العين وتخنق الصدر. في تلك السنة الناس تقول: “النهار صار ليل”. ما تشوف قدّامك إلا مترين. يتذكّرون معها أقمشة تبلّل وتُعلّق على الشبابيك، وصوت الأبواب وهي تصطفق، وعبارة: “سكرّوا كل شيء”!

8) سنة الشهاقة

سُمّيت بهذا الاسم لأن المرض التنفسي اللي أصاب الصغار كان يخلي الطفل “يشهق” بصوت مسموع. الذكرى فيها خوف الأم، وسهر الأب، وتضرّع الناس. من بعدها ظهرت “وصايا الأجداد” في البرد والهواء، ولبس الصغار جيدًا، و”لا تهاون بالزكام”.

9) سنة الرحمة

اسم تفاؤليّ. أحيانًا يكون الحدث مؤلمًا، فيسمّونه “الرحمة” كأنهم يدعون بالرحمة للأموات، ويرجون لطف الله للأحياء. الاسم نفسه درس: لا تنقطع الرحمة بين الناس؛ أعن مريضًا، واسأل عن جارٍ، وتصدّق.

10) أسماء مرتبطة بأحداث كبرى

في أحيان أخرى تُنسب السنة لحدث اجتماعي/سياسي بارز أثّر على الناس (معركة كبيرة، تبدّل حالٍ عام، هجرة). المهم هنا ليس التفاصيل السياسية بقدر ما هو أثرها الاجتماعي على الناس: هل تغيّر نمط عيشهم؟ هل صار في قحط أو رخاء بعده؟ هل نزحت عوائل من مكان لمكان؟

لمحات عامّة من قصص الناس

  • بيت تهدّم… وستر الله صار على يد جار جمع العائلة في غرفته.
  • قِدرٌ يغلي عند أبواب البيوت… “لكلّ مارٍّ مِغْرفة”.
  • أبٌ قسم رغيفًا أربعًا وقال: “نقنع ونحمد”.
  • طفلٌ “شَهِق” في الليل… فقامت حيّة الحارة على قدميها حتى فُتح له باب عافية.
ملخّص

جدول موجز لأشهر الأسماء ومعانيها

اسم السنة النوع المعنى/السبب أثرها الاجتماعي المختصر
الهدام / الهدّامة طبيعية (سيول) أمطار غزيرة هدّت بيوت طينية تكاتف الجيران، وحرص لاحق على البناء ومجرى السيل
الجوع / السلاق اقتصادية غلاء وقلة مؤن؛ طبخ أي مأكول “مسلوك” تقاسم اللقمة، وعودة ثقافة الادخار
الحصبة وبائية انتشار المرض بين الصغار عناية جماعية، احتياطات شعبية، تضرّع
الدبا/الجراد طبيعية/زراعية أسراب جراد أتلفت المحاصيل خسائر زراعية، وبعض الاستفادة الغذائية
الثلج مناخية نادرة تساقط ثلج في مناطق غير معتادة انبهار عام، تعطّل جزئي، ذكريات لطيفة
الغبار مناخية عواصف رملية حجبت الرؤية إغلاق مؤقت، احتياطات منزلية
الشهاقة صحية التهابٌ تنفسيّ سبب “شهيقًا” للصغار عناية بالأطفال، رسوخ أعراف وقاية
الرحمة رمزية/تفاؤلية تسمية تلطّف مأساة وتدعو للرحمة تراحم وتعاضد اجتماعي
هالجدول للتذكير السريع. التفاصيل وروح الحكاية تلقا
تعليقات