كيف تغيرت نظرتي للحياة؟

كيف تغيّرت نظرتي للحياة

كيف تغيّرت نظرتي للحياة

البداية: سؤال بسيط قلب النظرة

ما أتذكّر بالضبط متى بدأ كل شي. يمكن في نهاية السنة، يمكن قبلها بشوي. كنت جالس بالمطبخ الصغير في شقة عمّتي القديمة، قهوة باردة قدّامي، والضوء الخافت ينعكس على الجدار. فجأة حسّيت بشعور غريب: أنا أعيش… بس ما أحس إني عايش.

وظيفتي الإداريّة كانت ماشية، الراتب مقبول والزملاء طيّبين. من برّا ما فيه مشكلة. من جوّا فيه فراغ—مو حزن ولا قلق، لكن تكرار ممل: نفس الطريق، نفس الأسئلة، نفس الرد: «الحمد لله، بخير، ما فيه جديد».

وأنا أتصفّح يوتيوب طاح بيدي مقطع لفيلسوف مغربي يتكلم عن كيف إننا نعرف كثير بس نفهم قليل. ما فهمت كل شي، لكن علّقت معي جملة:

«الإنسان ما يتبنى على الحقائق بس… يتبنى على الأسئلة».

وقفت. أعدت المقطع كم مرّة. وحسّيت إن الجملة كانت متوجّهة لي شخصيًا.

القراءة: من سؤال إلى وعي

اشتريت كتاب بسيط في الفلسفة. ما كملته كامل، لكن الفصل الأول قريته أكثر من مرّة. بعدها بديت ألاحظ تفاصيل صغيرة: نبرة أمي لما تقول «أنا مو تعبانة» وهي تعبانة، وكيف الناس يتجاهلون شخص مشرّد كأنه جزء من الرصيف.

كنت متوقع القراءة بتخليني «عليم». لاحقًا فهمت إنها بس علّمتني «أشوف». أشوف نفسي، واللي حولي، والنظام اللي نعيش فيه. ما صرت أستقبل أي خبر مثل ما هو، صرت أسأل: مين يحكي؟ ليش بهالطريقة؟ وش اللي مخفي؟

قرأت شوي لنيتشه، سارتر، الغزالي، ابن رشد. كل واحد فتح باب. الأهم إني ربطت الكلام بواقعي. يوم قرأت عند سارتر «الوجود قبل الجوهر»، تذكّرت نفسي في مقابلة عمل: «أنا مو الوظيفة ولا الراتب ولا الشهادة… أنا اختياراتي وأفعالي».

الفن: لما حسّيت إني أتنفّس

دخلت معرض فني صغير بدون ما أعرف كثير عن التشكيل. لوحة شدتني: رجل يركض وقدامه سلسلة من كلمات: «ما تقدر»، «مستحيل»، «ما ينفع». وقفت قدّامها دقائق—وشفت نفسي فيها.

فهمت وقتها إن الفن ماهو ترف. هو لغة ثانية للمعرفة—لغة تُحسّ، مو تُشرح. اشتريت دفتر رسم وبدأت—الرسومات بالبداية كانت عادية، لكن صارت وسيلتي أطلع اللي ما أقدر أقوله.

رسمت شجرة وحيدة في صحراء، والسماء تمطر حروف. كتبت تحتها: «كلمات ما انقالت». واكتشفت إني كنت أكبت كثير.

التأمّل: التوقف عن الهروب من الصمت

كنت أهرب من السكون. التلفزيون شغّال أو موسيقى طول اليوم. جرّبت التأمل: خمس دقايق الصباح، أتتبّع النفس داخل وخارج. بالبداية ما قدرت—الأفكار تهجم: «نسيت الإيميل»، «بتأخر؟»، «ليش ما ردّ؟».

بعد كم يوم لاحظت شي مهم: الأفكار مو «أنا». فيه شيء داخلي يفكّر… لكني مو مُجبَر أصدّقه. الخوف صار «خبر عابر»، مو حقيقة ثابتة.

الكتابة: المخرج اللي ما يخون

بدأت أكتب بسطرين كل يوم. ملاحظات صغيرة صارت فقرات، ثم قصص قصيرة. ما كنت ناوي أنشر، لكن الكتابة كانت تنفيس—تخليني أشوف الجرح. والرؤية أول خطوة للشفاء.

هل فعلاً تغيّرت حياتي؟

كثير يسأل: «تركت الوظيفة؟ صرت فنان؟ محاضر؟» الجواب: لا. للحين بنفس العمل ونفس الطريق. بس أنا مو نفس الشخص.

صرت ألاحظ، وأحس، وأتوقّف. في اجتماع ما أضحك مجاملة على نكتة ما أفهمها. في العلاقات، ما أتمسّك عشان أعبّي فراغ—أحب من مكان أهدى. صرت أقول لأقرب الناس: «أنا أحبك، بس هالكلام يجرحني».

نصايح قصيرة من التجربة

  1. ابدأ بسؤال واحد. خله معك كم يوم—مو لازم تجاوبه بسرعة.
  2. اقرأ كتاب واحد يعجبك. مو سباق، وإذا ما ناسبك… بدّله.
  3. اكتب يوميًا ولو سطرين. المهم تطلّع اللي بداخلك.
  4. جرّب التأمل 5 دقايق. لا تدور «لحظة نور»—بس احضر.
  5. تفرّج على فن. فيلم أو لوحة أو أغنية. واسأل: «وش حسّيت؟»
  6. اسمع لكبير سن. كلمة وحدة ممكن تغيّر مسارك.
  7. تقبّل إنك ما تعرف. البداية الحقيقية للحكمة.
إذا حسّيت حياتك تمشيك بدل ما تمشيها—قف شوي، تنفّس، واسأل سؤال واحد صادق.

الخِتام: الحياة تجربة مو مسألة امتحان

زمان كنت أشوف الحياة كمشكلة تحتاج حل. اليوم أشوفها كتجربة مليانة لحظات وعلاقات وسقوط ووقوف. «فنون المعارف» بالنسبة لي مو عن كثرة المعلومات، بل عن الوعي: إنك تشوف، وتحس، وتغلط، وتتعلم، وتحب.

ما عندي إجابات نهائية—بس أتنفّس أعمق. وهذا كافي. وإذا وصلت لهنا، يمكن اللحظة الجاية تكون بداية رحلتك أنت بعد.

تعليقات